المكر ، والخديعة ، والسخرية ، والاستهزاء
المكر والخديعة ، والسخرية والاستهزاء قال الله تعالى { : يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب } .
وفي سببها وتفسيرها كلام طويل في التفسير ، والمراد بأنفسكم إخوانكم ; لأنهم كأنفسكم .
وقال تعالى { : ويل لكل همزة لمزة } ، وللترمذي وقال غريب من حديث أبي سلمة الكندي عن فرقد السبخي عن مرة بن شراحيل الهمداني عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه مرفوعا { ملعون من ضار مؤمنا أو مكر به } إسناده ضعيف .
وعن لؤلؤة عن أبي صرمة { من ضار ضار الله به ، ومن شاق شق الله عليه } رواه أبو داود وابن ماجه ، والترمذي وقال : حسن غريب وفي نسخة صحيح إسناد جيد مع أن لؤلؤة تفرد عنها محمد بن يحيى بن حبان .
ويحرم الكذب لغير إصلاح وحرب وزوجة ، ويحرم المدح والذم كذا قال في الرعاية ، قال ابن الجوزي وضابطه أن كل مقصود محمود لا يمكن التوصل إليه إلا بالكذب فهو مباح إن كان ذلك المقصود مباحا ، وإن كان واجبا فهو واجب وهو مراد الأصحاب ومرادهم هنا لغير حاجة وضرورة فإنه يجب الكذب إذا كان فيه عصمة مسلم من القتل وعند أبي الخطاب يحرم أيضا لكن يسلك أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما فقال في مفارقة أرض الغصب : إنه في حال المفارقة عاص ولهذا الكذب معصية ثم لو أراد أن يقتل مؤمنا ظلما فهرب منه فلقي رجلا فقال : رأيت فلانا ؟ كان له أن يقول : لم أره فيدفع أعلى المفسدتين بارتكاب أدناهما .
وذكر ابن عقيل وغيره إنه حسن حيث جاز لا إثم فيه وهو قول أكثر العلماء .
قال الشيخ تقي الدين : والمسألة مبنية على القبح العقلي ، فمن نفاه ، وقال : لا حكم إلا لله فإن الكذب يختلف بحسب إمكانه ، ومن أثبته وقال : الأحكام لذات الفعل قبحه لذاته انتهى كلامه .
ومهما أمكن المعاريض حرم وهو ظاهر كلام غير واحد وصرح به آخرون لعدم الحاجة إذا وظاهر كلام أبي الخطاب المذكور أنه يجوز ولو أمكن المعاريض ، والظاهر أنه مراد تشبيها بالإنشاء من المعذور كمن أكره على الطلاق ولم يتأول بلا عذر وفيه خلاف مذكور في موضعه ، ومن دليله ; لأنه قد لا يحضره التأويل في تلك الحال فتفوت الرخصة ، فلعل هذا في معناه وليس بالواضح ويأتي في كلام الشيخ تقي الدين في التوبة من حق الغير ما يوافق التردد والنظر في ذلك ، وجزم في رياض الصالحين بالقول الثاني .
ولو احتاج إلى اليمين في إنجاء معصوم من هلكة وجب عليه أن يحلف قال في المغني : لأن إنجاء المعصوم واجب وقد تعين في اليمين فيجب ، وذكر خبر سويد بن حنظلة أن وائل بن حجر أخذه عدو له فحلف أنه أخوه ثم ذكروا ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فقال { صدقت المسلم أخو المسلم } .
وكلام ابن الجوزي السابق في الزيادة على الثلاث المستثناة في الحديث يخرج على الخلاف والمشهور في المذهب هل يقاس على المستثنى من القياس إذا فهم المعنى ؟ ويأتي فعل عبد الله بن عمر .
وقال بعض أصحابنا المتأخرين في كتاب الهدي أنه يجوز كذب الإنسان على نفسه وغيره إذا لم يتضمن ضرر ذلك الغير إذا كان يتوصل بالكذب إلى حقه كما كذب الحجاج بن علاط على المشركين حتى أخذ ماله من مكة من المشركين من غير مضرة لحقت بالمسلمين من ذلك الكذب .
أما ما نال من بمكة من المسلمين من الأذى والحزن فمفسدة يسيرة في جنب المصلحة التي حصلت بالكذب ولا سيما تكميل الفرح ، وزيادة الإيمان الذي حصل بالخبر الصادق بعد هذا الكذب وكان الكذب سببا في حصول المصلحة الراجحة .
قال ونظير هذا الإمام والحاكم يوهم الخصم خلاف الحق ليتوصل بذلك إلى استعمال الحق كما أوهم سليمان بن داود عليهما السلام إحدى المرأتين بشق الولد نصفين حتى يتوصل بذلك إلى معرفة عين أمه